کد مطلب:240963 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:139

رقة العراقی غیر غلیظة
روی الصدوق بسند له إلی الحسن بن محمد النوفلی ثم الهاشمی یقول: لما قدم علی بن موسی الرضا علیه السلام علی المأمون أمر الفضل بن سهل أن یجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثلیق و رأس الجالوت و رؤساء الصابئین و الهربذ الأكبر و أصحاب زرداشت و لسطاس الرومی و المتكلمین لیسمع كلامه و كلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال: أدخلهم علی، ففعل فرحب بهم المأمكون ثم قال لهم: إنی إنما جمعتكم لخیر و أحببت أن تناظروا ابن عمی هذا المدنی القادم علی فإذا كان بكرة فاغدوا علی و لایتخلف منكم أحد، فقالوا السمع و الطاعة یا أمیرالمؤمنین نحن مبكرون إن شاء الله.

قال الحسن بن محمد النوفلی: فبینا نحن فی حدیث لنا عند أبی الحسن الرضا - علیه السلام - إذ دخل علینا یا سرالخادم و كان یتولی أمر أبی الحسن - علیه السلام - فقال له: یا سیدی إن أمیرالمؤمنین یقرئك السلام و یقول فداك أخوك إنه اجتمع إلی أصحاب المقالات و أهل الأدیان و المتكلمون من جمیع الملل فرأیك فی البكور علینا إن أحببت كلامهم، و إن كرهت ذلك فلا تتجشم، و إن أحببت أن نصیر إلیك خف ذلك علینا.

فقال أبوالحسن: أبلغه السلام و قل له: قد عملت ما أردت و أنا صائر إلیك بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلی: فلما مضی یا سر التفت إلینا ثم قال لی: «یا نوفلی أنت عراقی ورقة العراقی غیر غلیظة...». [1] .

إنما ذكرنا الحدیث بسنده إلی هنا لأجل ربطه بالكلمة المثلیة: «رقة العراقی غیر غلیظة».

قال السید المعلق:



[ صفحه 272]



الرقة فی كل موضع یراد بها معنی، فیقال مثلا: رقة القلب و یراد بها الرحمة، و رقة الوجه و یراد بها الحیاء، ورقة الكلام و یراد عدم الفدفدة فیه، و الظاهر أن مراده علیه السلام حیث أضاف الرقة إلی الإنسان هو رقة الجهة الإنسانیة: و هی سرعة الفهم وجودته و إصابة الحدس و صفاء الذهن و عمق الفكر و حسن التفكر و كمال العقل، و غیر غلیظة خبر فی اللفظ، و فی المعنی صفة مفیدة للكمال، أی: للعراقی رقة رقیقة كما یقال: لیل لائل أی: كامل الإظلام، [2] و نور نیرأی: كامل فی النوریة، و جمال جمیل أی: كامل فی الجمالیة و لایبعد أن یراد بها الروح؛ فإن للإنسان لطافة هی روحه و كثافة هی بدنه أی: روح العراقی غیر غلیظة لاتقف دون ما یرد من المسائل بل تلج فیه و تخرج منه بسهولة و تكشف حق الأمر و حقیقة الحال. [3] .

أقول:

إن كانت اللفظة من «رق علیه قلبه» أی لان فلا یساعدها قوله علیه السلام: «غیر غلیظة» و ذلك لأن الرقة فی قبال الغلظة لایفتقر سلب الغلظة عنها لاستغناء ذكر أحد المتقابلین عن سلم ما یقابله، و ما وجه به بأنه من قبیل «لیل لائل، و نور نیر، و جمال جمیل» غیر جمیل لأن اللفظ المكرر مذكور فی نفس الأمثلة الثلاثة ففرارا من التكرار یوجه بما ذكر و هو فی محله من ذكر ذلك للتأكید.

و أما فی المقام فغیر مكرر من لفظ «الرقة» بل المذكور فی الحدیث الرقة و ما یضادها أی الغلظة المسلوبة فالمناسب تفسیرها بشی ء آخر من المعنی التأسیسی الذی هو خیر التأكید.

و الذی أظنه - و الظن لایغنی من الحق شیئا - أن لفظ الحدیث: «ورقة العراقی غیر غلیظة» بتخفیف القاف من الورق: إما من ورق الشجر، و علیه یكون المراد به سرعة الأثر و الانعطاف كما یقال فی المثل الفارسی «مثل برگ گل نازك است» أی: مثل ورق الورد رقیق لطیف فیكون من المثل السائر. یقال ذلك لمن كان له قلب



[ صفحه 273]



رقیق و لطیف.

و المعنی أن العراقیین هم كالورد اللطیف لأنهم من أهل الولایة كما كانوا فی جیش علی علیه السلام فی صفین فی قبال جیش معاویة حیث كانوا من أهل الشام، و كان أهل العراق هم الموالون له و لأهل البیت علیهم السلام [4] لأن علیا علیه السلام كان فی العراق و معاویة المحارب فی الشام.

فلعل الحدیث الرضوی ناظر إلی هذه الناحیة الولائیة بضرب المثل للنوفلی العراقی بورق الشجر فی الانعطاف و اللطافة لقبول ما بث له الرضا علیه السلام من الأزمة التی كان یعانیها من قبل طاغیة زمانه المأمون العباسی من جمع أهل المقالات، و أصحاب المذاهب و غیرهم لیكسر بهم الإمام علیه السلام و لو احتمالا فی المناظرة معهم، و كان الأمر علی خلاف ما أضمره المأمون كما صرح ذلك فی نفس الحدیث.

و إما من الورق: القرطاس، و نفی الغلظة عنه كنایة عما وهب النوفلی من قابلیة القبول لما یكتب فی قلبه و ینتقش فیه من علوم الرضا علیه السلام و ما یلقی علیه من الأخبار الغیبیة؛ إذ نوع من القراطیس ما لایقبل الكتابة و النقش لفقد البیاض منه أولرادءة جنس القرطاس و كدرته، فضرب الرضا علیه السلام المثل بأن النوفلی كالورق و القرطاس الأبیض اللطیف القابل للكتابة و الذی املی علیه و لیس فیه غلظة و كدورة تمنع من ذلك أو تعوق من قبول الحق: فالكلام مصوغ مثلا إما من المثل السائر المضروب من الورد فی اللطافة، أو من النوع الثانی بمعنی القرطاس المضروب للقلب الصافی الخالی من الموانع عن قبول الحق الذی أملاه الرضا علیه السلام علی النوفلی العراقی و فی المثل الفارسی أیضا یقال «مثل كاغذ سفید است» أی كالقرطاس الأبیض الخالی من النقوش و هو معنی قوله علیه السلام «غیر غلیظة» أی رقیقة لطیفة و لایقال ذلك إلا عند قابلیة القلب لقبول الحق و الحافظ له.



[ صفحه 274]



و علی التفسیرین یبقی سؤال العطف بأن الواو إن كان من واو الورق سواء أكان من ورق الشجر أو القرطاس فأین الواو الآخر واو العطف لیرتبط به الكلام، و لیس المقام من مواضع الحذف حتی یقال إنه فی التقدیر.

و علیه یشبه أن یكون الحق ما ذكره السید المعلق من كون الكلمة من رقة القلب التی تقابل الغلظة. و منها النبوی المروی فی مدح قبیلة الأزد: «أتتهم الأزد أرقها قلوبا، و أعذبها أفواها» [5] .



[ صفحه 276]




[1] عيون أخبار الرضا 127:1، التوحيد 418 - 417.

[2] لعل الصحيح الظلام.

[3] هامش التوحيد 419 - 418.

و قد جاء بمعني الورق الرقة محذوفة الواو المبدلة عنها بالتاء صرح بذلك ابن منظور قال: الورق: الدراهم المضروبة و كذلك الرقة، و الهاء عوض من الواو. اللسان 375:10، في (ورق) و جمع الرقة رقوق، إلا أن يقال أن المحذوفة منه الواو إنما هو بمعني الدارهم لامن ورق الشجر و غيره فلا يجوز حذفها بل يقال الورق بإثبات الواو.

[4] ربما يقال إن الأمر بالعكس لأن أميرالمؤمنين عليه السلام كان يشكو إلي الله عزوجل من تمرد أصحابه و جلهم عراقيون.

و الجواب بأن نقول ليس الكلام بصدد إثبات العموم بل النوفلي كان كذلك و لكن الوصف مشعر بالعلة و عليه، فيحتمل أن يكون المراد به بأن الجدير بالعراقي أن يكون رقيق القلب غير غليظه لوجود أهل البيت عليهم السلام و في مقدمتهم أميرالمؤمنين عليه السلام في الكوفة التي كانت خلافته فيها إلي آخر أيام حياته روحي فداه.

[5] علل الشرائع 295 - 294:1. و فيه بيان علة ذلك.